أثر كورونا على اختيار التخصصات الجامعية

إن أبرز ما تركته جائحة كورونا على واقع شبابنا ورؤيتهم لمستقبلهم هو التصوّر الغامض والمسار الضائع. فرسم صورة المشهد المستقبلي الذي يطمح إليه الشباب المتخرجون من صفوف الباكالوريا، والشباب الجامعي، أصبح وبسبب هذه الجائحة، صعبًا جدًا في ظل غياب التوجيه المتخصّص، والتدّخل النفسي والاجتماعي الفوري المتناسب مع حجم أضرار تلك الجائحة التي تتركها على العالم بشكل عام.

وقد أحصت في هذا السياق منظمة الأمم المتحدة للتربية، “اليونسكو”، أن أكثر من 1.5 مليار طالب في 165 دولة انقطعوا عن الذهاب للمدارس والجامعات أثناء اجتياح كوفيد_19 لكافة أرجاء الكرة الأرضية. وقد أجبرت هذه الجائحة الهيئات والمؤسسات الأكاديمية حول العالم على اعتماد أنماط جديدة للتعلّم والتعليم، من أبرزها التعليم الإلكتروني، والتعليم عن بعد.

التعليم عن بعد: تحدّ ومواجهة

لقد تسبب الانقطاع القسّري للطلاب عن المدارس والجامعات بآثار سلبية على نفسية الطلاب ومهاراتهم الجسدية والاجتماعية، كما تركت آثارًا كبيرة على قدرات الطلاب الذهنية. وبالتوازي مع تلك الآثار  وجد الأساتذة والتربويون أنفسهم أمام تحد كبير أجبرهم على مواجهة هذه الأزمة بكل السبل المتاحة، والتعامل مع الصعوبات الناجمة عن هذه الأزمة، ومحاولة الإفلات من سجن الحجر الصحي الذي شلّ الحركة الاقتصادية، وهي الناحية التي يركز  المتخرجون من الثانويات أو الجامعات عليها أنظارهم، بهدف إيجاد فرص عمل مناسبة، وتحقيق تكافؤ للفرص، خاصة في زمن العولمة وتحول الكرة الأرضية لقرية كونية، حيث أصبحت عمليات التواصل بين الناس أيسر وأسهل وأوفر وأسرع، وبات التعلّم والتعليم عن بعد، أو التعليم الإلكتروني هو الحل الأمثل والممكن في هذه الظروف.

اختيار التخصص الجامعي وتوفر المهنة

إن أبرز ما يجب العمل عليه، وهو ما بدأت به منظمات دولية وجهات تربوية عالمية، هو إجراء تدريب إداري وقيادي للجامعيين وللمهنيين الشباب من جميع أنحاء العالم الذين اختاروا العمل في مؤسسات التعليم عن بعد، فهذه الوظيفة المستجدة باتت متاحة لكل قادر على أدائها وفي أي بلد كان

وهذا التدريب – المهني – لا بد أن يسبقه توجيه يقوم به المختّصون للطلاب المتخرجين من صفوف الباكالوريا ولم يستطيعوا تحديد اختصاصهم الجامعي بعد، لا سيما وأنهم تعرضوا لفترات انقطاع قسّرية عن المتابعة الحضورية للدروس في الثانويات. وهذا الأمر ترك أثره على حجم المضامين المعرفية لأنها في كثير من الدول قد تقلّصت ومنها لبنان، حيث تم تقليص المنهج ليتم تقديمه في فترات التعليم المخصّصة على المنصات للطلاب اللبنانيين، كما تركت آثارًا سلبية على المهارات العملية وخاصة في الباكالوريا المهنية التي تتطلب شهادتها تنفيذ الساعات التدريبية. بالإضافة الى الآثار السلبية التي تركتها على النواحي الجسدية (حرمان الطلاب من حصص الرياضة)، والنواحي الفنّية (حرمان الطلاب من حصص المسرح والموسيقى …)، والناحية الاجتماعية (لأنها كرست العزلة والميل للبعد عن الناس خوفا من انتشار العدوى).

اختيار التخصص الجامعي لطلاب الباكالوريا في ظل أزمة كورونا

يتم اختيار التخصص الجامعي بالعادة على أساس بعض العوامل كالمعدل بالثانوية العامة، ورغبة الطلاب وقدراتهم وميولهم، وحاجات سوق العمل، والبرامج المطروحة ورسومها المادية والوضع المالي للطلبة، وموقع الجامعة

وأمام هذه العوامل لا بد من الإشارة بداية الى أمر مهم جدا وهو ضرورة المشاركة بين الطلاب والأهل ﻹختيار تخصصاتهم، والحوار معهم حول الوضع المادي لأبنائهم ومساعدتهم على اختيار ما يتناسب مع سوق العمل والفرص المهنية المتاحة – القديمة والمستجدة- والإمكانات المادية للأهل، والأخذ بعين الاعتبار ميول الطلاب وتوجهاتهم ورغباتهم، كما يتوجب دعم هؤلاء الطلاب بساعات تدريب مكثفة لتعويض ما فاتهم من برامج تعليمية أثناء فترات الحجر القسرية.

هذا الدور ليس حكرًا وواجبًا على الأهل فقط، فلا بد من ممارسة تلك الأدوار من قبل الأساتذة أنفسهم، ومن قبل مرشدين متخصصين بعلاج آثار الأزمات الصحية والاجتماعية والاقتصادية والحروب على المجتمع ككل والطلاب بشكل خاص، لأنهم شُعلة المستقبل، وبابه وهم وحدهم القادرون على فتح الدروب إليه

ولتحقيق تلك الغاية لا بد من تحمل الحكومات والجهات التربوية الرسمية المسؤولية، وتأمين مستلزمات التعليم عن بعد أولًا، وتمكين كل الطلاب بشكل عادل من المهارات والتدريبات المطلوبة، والسعي لتطوير المناهج التربوية وليس تقليصها، ووضع حوافز تشجيعية للطلاب لتوجيههم تجاه التخصصات الجامعية المطلوبة في سوق العمل والمهن المستجدة. والدروس المستفادة من هذه التجارب سيكون لها تأثير دائم على التدريس. فلا بد إذا من اختيار التخصص الذي يرغب به الطالب ويقدر عليه (تعلميًا وماديًا) وفي الوقت ذاته يكون متناسبًا مع سوق العمل، ففي دراسة أميركية عام 2006 أظهرت أن 80% من الأشخاص العاملين يعملون في وظائف تختلف عن تخصصاتهم الجامعية بسبب سوء الإختيار. فكيف إذا أضيف الى قضية سوء الإختيار وجود أزمات تعرقل عمليات التعلم والتوظيف وإيجاد فرص عمل مناسبة كالحروب أو الأوبئة أو الازمات؟!