التعليم الجامعي والتدريب خلال الحروب والأزمات

يواجه الطلاب المتخرجون من الجامعات خلال فترة أزمة فيروس كورونا، وأماكن الحروب والأزمات الاقتصادية والسياسية، صعوبات كثيرة وتحديات صعبة تتعلق بالقدرة على نيل شهادة جامعية والحصول على فرصة عمل مناسبة.

ومواصلة التعليم من خلال إيجاد البدائل المناسبة، كان من أهم التحديات التي واجهت مسؤولي القطاعات التربوية المختلفة، وخاصة في مراحل التعليم الجامعي، لا سيما أن جزءًا كبيرًا من الاختصاصات الجامعية من شروط إتمامها الحصول على ساعات تدريبية تُعدّ الطالب للولوج إلى سوق العمل مباشرة دون مروره بفترة تدريب خاصة بذلك. كالتخصصات الطبية على مختلف أنواعها، والتخصصات العلمية (فيزيائية وكيميائية والعلوم البيئية المختلفة)، وحتى تخصصات العلوم الإنسانية، كعلم النفس وعلوم التربية وعلوم الاجتماع والدراسات الدينية وغيرها…. بحيث يُعدّ عدد الساعات (الوحدات) المعتمدة المحددة لكل مقرر أو برنامج دراسي مؤشرًا لحجم التعلّم المتوقع واللازم لكل تخصص، ثم يتم ربط هذه التوقّعات بعدد ساعات الدراسة الفعلية في أنشطة التعلم المختلفة، مثل: المحاضرات، والدروس المساعدة، والمعامل.

أثر كورونا على التدريب العملي والمعامل في الجامعات

يقضي “التباعد الاجتماعي” بفصل الناس في مختلف الاجتماعات العائلية والمنزلية والتربوية، المدرسية والجامعية، والوظيفية، وفي أماكن الترفيه وغيرها. وهذه المسافة تمنع الى حد ما من انتشار العدوى ونقل الفيروس من مصاب الى آخر. وقد كان لهذا التدبير أثر كبير على التعليم والمعامل التدريبية في التخصصات كافة التي تتطلب عملية إنجازها عدد ساعات معينة لإتمام الدراسة فيها ونيل الشهادة التي تؤهل المتعلّم الجامعي لسوق العمل المباشر. فالبنية التحتية للجامعات لا تتسع للطلاب، ولهذا لجأت بعض الجامعات الى تقسيم الطلاب لدفعات، يتدرب كل منها ساعات تدريبية (معملية) تعرضت هي الأخرى للتقليص، ترافق ذلك مع إلغائها بعد أن لجأت الجامعات في فترات الحظر إلى التعليم عن بعد.

أثر الحروب والأزمات على التدريب العملي والمعامل في الجامعات في دول الأزمات والحروب

 عندما نتحدث عن حروب وأزمات، مضافًا إليها وباء كوفيد، يصبح الكلام أشد صعوبة؛ فالمشكلة هنا مركبة، وتفكيكها ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة لها يصبح أكثر تعقيدًا. ففي سوريا مثلا، وطوال عقد من الزمن، تواصلت الحرب فيها، وخلفت آثارًا كبيرة على التعليم الجامعي.  وفي ورشة عقدت في 15 نيسان / أبريل/ 2021 تحت عنوان ” التعليم العالي في سوريا بعد عقد من الحرب” نظمها برنامج EDU-Syria الممول من الاتحاد الأوروبي والهيئة الألمانية للتبادل العلمي (DAAD)، تحدث فيها الأكاديميون والمتخصصون عن جملة من التحديات وسبل مواجهتها. فقد تعرضت البنى التحتية للدمار، والمناهج التربوية المعتمدة أصبحت بحاجة للتطوير لتتناسب مع متطلبات العصر، وتطويرها يفترض تدريبًا وتأهيلًا للكوادر التعليمية. أضف لهذه التحديات ما يتعلق بانعدام الأمن وضعف الإمكانات المالية، وهجرة الأدمغة الى دول أكثر أمانا وفرصا للحياة، حيث اضطر أكثر من نصف الأدمغة للهجرة إلى بلدان مختلفة.

وفي إحصاءات قامت بها إدارة مدينة دمشق الجامعية، أشارت الى أن عدد الطلاب المقيمين في المدينة الجامعية في دمشق ارتفع من 15 ألفاً عام 2011 إلى 22 ألفا في 2017، وذلك لأنها أصبحت الخيار الذي يفضل الطلاب اللجوء إليه وسط الصعوبات الاقتصادية نتيجة الحرب. فمتوسط تكلفة الدراسة بالجامعات الحكومية يتراوح بين 25 و50 ألف ليرة سورية (50-100 دولار) وهي تشمل رسوم التسجيل، وتكلفة التنقل، وشراء الكتب والمستلزمات الضرورية لأي طالب جامعي (مقررات جامعية وقرطاسية…) ولا تدخل في هذه الحسبة تكلفة شراء المعدات والأدوات المخصصة للتدريب لدى طلاب كليات الطب أو الهندسة أو التربية أو غيرها، ويضاف الى كل ذلك كلفة السكن. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن متوسط دخل العائلة السورية يبلغ حوالي مئة دولار، بحسب إحصائيات صادرة عن المرصد العمالي السوري للدراسات والبحوث، فإن معظم الطلاب يضطرون للعمل الإضافي لتسديد النفقات الدراسية، والكثير منهم يلجؤون لدراسة التخصصات النظرية بدل التخصصات العملية.

التخصصات الجامعية النظرية والتدريب

إن واقع التوجه الشبابي تجاه التخصصات الجامعية في سوريا خلال أزمة الحرب وأزمة وباء كورونا، هو واقع ينطبق على الشباب في دول أخرى مثل لبنان. فانفجار مرفأ بيروت صيف 2020 والإنهيار الاقتصادي، ووباء كورونا، جعلت الشباب اللبناني الجامعي يقلص من ساعات تعلمه الجامعي لصالح العمل الإضافي – إن وجد فرصة مناسبة – كما جعلته يختار تخصصات جامعية نظرية كالآدب والترجمة ومختلف التخصصات الإنسانية والاجتماعية. إذا هو وضع مشترك في دول الحروب والأزمات، من معاناة، وحرمان، وانعدام أمن واستقرار…

التعليم عن بعد، هل هو الحل؟

لجأت الجامعة اللبنانية، وكذلك الجامعات الحكومية في سوريا، إلى تطبيق التعليم عن بعد، خاصة في فترات الحجر الصحي، أسوة بالكثير من الدول في العالم. ولكنه في بلد مأزوم كسوريا ولبنان، يكاد يكون الوضع كارثيًا؛ فلا كهرباء، ولا وقود، ولا انترنت يلبي حاجات التعلّم عن بعد، إضافة الى ضعف الإمكانات المادية كأجهزة حاسوب أو كومبيوتر لوحي أو حتى هواتف.

هل فقدنا الأمل؟

تعمل الجهات والمنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني على إيجاد حلول بديلة، لا سيما في حل مشكلة التعليم عن بعد، وذلك من خلال توفير مناهج (كورسات) تدريبية ترتبط مباشرة بسوق العمل، ولا تحوج الطالب إلى الدراسة المنتظمة في الجامعة ليستطيع الحصول على فرصة عمل. خاصة وإن كثيرا من الوظائف باتت تتم عن بعد، أسوة بالتعليم، وهي تتطلب مهارات يمكن لأي إنسان أن يتعلمها بحصوله على كورس تدريبي يترافق مع وجود مدرب خاص يمكنه من امتلاك المهارات اللازمة لتمكينه من مباشرة العمل بشكل يوفر المال والوقت والجهد في الوقت نفسه.

 

كما أن هناك الكثير من المؤسسات تقدم خدمات تدريبية (مجانية أو مدفوعة) مرافقة للتخصصات الجامعية وهي تكون على شكل تدريب عملي مخبري عبر دروس مصورة (فيديو) يظهر الخطوات العملية، وهو يحل المشكلة بشكل جزئي، لأن التدريب العملي يعطي نتائج أفضل. لكن يمكن القول أن بارقة أمل، وحلول مبتكرة يمكن إيجادها في هذه الأثناء في محاولة لتفادي مشكلة إجتماعية كبرى نتيجة الحروب والأزمات. خاصة وأن التعليم هو النور الذي يهدي تلك المجتمعات للتحرر والتطور.

seminar, class room, school-594125.jpg